فصل: أبواب إخراج الزكاة‏‏

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 أبواب إخراج الزكاة‏

 باب المبادرة إلى إخراجها

عن عقبة بن الحارث قال‏:‏ ‏(‏صلى النبي صلى الله عليه وسلم العصر فأسرع، ثم دخل البيت فلم يلبث أن خرج، فقلت أو قيل له، فقال كنت خلفت في البيت تبرًا من الصدقة فكرهت أن أبيته فقسمته‏)‏‏.‏ رواه البخاري ‏.‏

وعن عائشة قالت‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏ما خالطت الصدقة مالًا قط إلا أهلكته‏)‏‏.‏ رواه الشافعي والبخاري في تاريخه والحميدي وزاد قال‏:‏ ‏(‏يكون قد وجب عليك في مالك صدقة فلا يخرجها فيهلك الحرام الحلال‏)‏ وقد احتج به من يرى تعلق الزكاة بالعين ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تبرًا‏)‏ بكسر المثناة وسكون الموحدة الذهب الذي لم يصف ولم يضرب‏.‏ قال الجوهري لا يقال إلا للذهب وقد قاله بعضهم في الفضة انتهى‏.‏ وأطلقه بعضهم على جميع جواهر الأرض قبل أن تصاغ وتضرب حكاه ابن الأنباري عن الكسائي كذا أشار إليه ابن دريد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن أبيته‏)‏ أي أتركه يبيت عندي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقسمته‏)‏ في رواية البخاري ‏(‏فأمرت بقسمته‏)‏ ‏.‏

‏(‏والحديث الأول‏)‏ يدل على مشروعية المبادرة بإخراج الصدقة‏.‏ قال ابن بطال فيه أن الخير ينبغي أن يبادر به فإن الآفات تعرض والموانع تمنع والموت لا يؤمن والتسويف غير محمود، زاد غيره وهو أخلص للذمة وأنفى للحاجة وأبعد من المطل المذموم وأرضى للرب تعالى وأنحى للذنب ـ والحديث الثاني ـ يدل على أن مجرد مخالطة الصدقة لغيرها من الأموال سبب لإهلاكه وظاهره وإن كان الذي خلطها بغيرها من الأموال عازمًا على إخراجها بعد حين لأن التراخي عن الإخراج مما لا يبعد أن يكون سببًا لهذا العقوبة أعني هلاك المال واحتجاج من احتج به على تعلق الزكاة بالعين صحيح لأنها لو كانت متعلقة بالذمة لم يستقم هذا الحديث لأنها لا تكون في جزء من أجزاء المال فلا يستقيم اختلاطها بغيرها ولا كونها سببًا لإهلاك ما خالطته‏.‏

 باب ما جاء في تعجيلها

عن علي عليه السلام‏:‏ ‏(‏أن العباس بن عبد المطلب سأل النبي صلى الله عليه وسلم في تعجيل صدقته قبل أن تحل فرخص له في ذلك‏)‏‏.‏

رواه الخمسة إلا النسائي ‏.‏

وعن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر على الصدقة، فقيل منع ابن جميل وخالد بن الوليد وعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيرًا فأغناه الله، وأما خالد فإنكم تظلمون خالدًا قد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله تعالى، وأما العباس فهي علي ومثلها معها، ثم قال يا عمر أما شعرت أن عم الرجل صنو أبيه‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم وأخرجه البخاري وليس فيه ذكر عمر، ولا ما قيل له في العباس، وقال فيه ‏(‏فهي عليه ومثلها معها‏)‏، قال أبو عبيد أرى والله أعلم أنه أخر عنه الصدقة عامين لحاجة عرضت للعباس وللإمام أن يؤخر على وجه النظر، ثم يأخذه ومن روى ‏(‏فهي علي ومثلها‏)‏ فيقال كان تسلف منه صدقة عامين ذلك العام والذي قبله ‏.‏

حديث علي أخرجه أيضًا الحاكم والدارقطني والبيهقي وفيه اختلاف ذكره الدارقطني‏.‏ ورجح إرساله وكذا رجحه أبو داود وقال الشافعي لا أدري أثبت أم لا يعني هذا الحديث‏.‏ ويشهد له ما أخرجه البيهقي عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏إنا كنا احتجنا فأسلفنا العباس صدقة عامين‏)‏ رجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعا ويعضده أيضًا حديث أبي هريرة المذكور بعده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ينقم‏)‏ بكسر القاف وفتحها والكسر أفصح وابن جميل هذا قال ابن الأثير لا يعرف اسمه لكن وقع في تعليق القاضي حسين الشافعي وتبعه الروياني أن اسمه عبد الله وذكر الشيخ سراج الدين بن الملقن أن بعضهم سماه حميدًا ووقع في رواية ابن جريح أو جهم بن حذيفة بدل ابن جميل وهو خطأ لإطباق الجميع على ابن جميل‏.‏ وقول الأكثر إنه كان أنصاريًا وأما أبو جهم بن حذيفة فهو قرشي فافترقا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏واعتاده‏)‏ جمع عتاد بفتح العين المهملة بعدها فوقيه وبعد الألف دال مهملة والأعتاد آلات الحرب من السلاح والدواب وغيرها ويجمع أيضًا على أعتدة‏.‏ ومعنى ذلك أنهم طلبوا من خالد زكاة أعتاده ظنًا منهم أنها للتجارة وأن الزكاة فيها واجبة فقال لهم لا زكاة فيها علي فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إن خالدًا منع الزكاة فقال إنكم تظلمونه لأنه حبسها ووقفها في سبيل تعالى قبل الحول عليها فيها زكاة فيها ويحتمل أن يكون المراد لو وجبت عليه زكاة لأعطاها ولم يشح بها لأنه قد وقف أمواله لله تعالى متبرعًا فكيف يشح بواجب عليه‏.‏ واستنبط بعضهم من هذا وجوب الزكاة زكاة التجارة وبه قال جمهور السلف والخلف خلافًا لداود‏.‏

ـ وفيه الدليل ـ على صحة الوقف وصحة وقف المنقول وبه قالت الأمة بأسرها إلا أبا حنيفة وبعض الكوفيين وقال بعضهم هذه الصدقة التي منعها ابن جميل وخالد والعباس لم تكن زكاة إنما صدقة تطوع حكاه القاضي عياض قال ويؤيده أن عبد الرزاق روى هذا الحديث وذكر في روايته أن النبي صلى الله عليه وسلم ندب الناس إلى الصدقة وذكر تمام الحديث قال ابن القصار من المالكية وهذا التأويل أليق بالقصة ولا يظن بالصحابة منع الواجب وعلى هذا فعذر خالد واضح لأنه أخرج ماله في سبيل الله فما بقي له مال يحتمل المواساة بصدقة التطوع ويكون ابن جميل شح بصدقة التطوع فعتب عليه‏.‏ وقال في العباس هي علي ومثلها معها أي أنه لا يمتنع إذا طلبت منه انتهى كلام ابن القصار‏.‏ قال القاضي عياض ولكن ظاهر الأحاديث في الصحيحين أنها في الزكاة لقوله ‏(‏بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر على الصدقة‏)‏ وإنما كان يبعث في الفريضة ورجح هذا النووي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فهي علي ومثلها معها‏)‏ مما يقوي أن المراد أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم أنه تعجل من العباس صدقة عامين ما أخرجه أبو داود الطيالسي من حديث أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر إنا كنا تعجلنا صدقة مال العباس عام الأول‏.‏ وما أخرجه الطبراني والبزار من حديث ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم تسلف من العباس صدقة عامين‏.‏ وفي إسناده محمد بن ذكوان وهو ضعيف‏.‏ ورواه البزار من حديث موسى بن طلحة عن أبيه نحوه وفي إسناده الحسن بن عمارة وهو متروك‏.‏ ورواه الدارقطني من حديث ابن عباس وفي إسناده مندل بن علي والعزرمي وهما ضعيفان والصواب أنه مرسل‏.‏ ومما يرجح أن المراد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لو أراد أن يتحمل ما عليه لأجل امتناعه لكفاه أن يتحمل مثلها من غير زيادة وأيضًا الحمل على الامتناع فيه سوء ظن بالعباس‏.‏

ـ والحديثان ـ يدلان على أنه يجوز تعجيل الزكاة قبل الحول ولو لعامين وإلى ذلك ذهب الشافعي وأحمد وأبو حنيفة وبه قال الهادي والقاسم‏.‏ قال المؤيد بالله وهو أفضل وقال مالك وربيعة وسفيان الثوري وداود وأبو عبيد بن الحرث‏.‏ ومن أهل البيت الناصر أنه لا يجزيء حتى يحول الحول ـ واستدلوا ـ بالأحاديث التي فيها تعليق الوجوب بالحول وقد تقدمت‏.‏ وتسليم ذلك لا يضر من قال بصحة التعجيل لأن الوجوب متعلق بالحول فلا نزاع وإنما النزاع في الإجزاء قبله‏.‏

 باب تفرقة الزكاة في بلدها ومراعاة المنصوص عليه لا القيمة وما يقال عند دفعها

عن أبي جحيفة قال‏:‏ ‏(‏قدم علينا مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ الصدقة من أغنيائنا فجعلها في فقرائنا فكنت غلامًا يتيمًا فأعطاني منها قلوصًا‏)‏‏.‏

رواه الترمذي وقال حديث حسن ‏.‏

وعن عمران بن حصين‏:‏ ‏(‏أنه استعمل على الصدقة، فلما رجع قيل له أين المال‏؟‏ قال وللمال أرسلتني أخذناه من حيث كنا نأخذه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضعناه حيث كنا نضعه‏)‏‏.‏

رواه أبو داود وابن ماجه ‏.‏

وعن طاوس قال‏:‏ ‏(‏كان في كتاب معاذ من خرج من مخلاف إلى مخلاف فإن صدقته وعشره في مخلاف عشيرته‏)‏‏.‏

رواه الأثرم في سننه ‏.‏

الحديث الأول هو من رواية حفص بن غياث عن أشعث عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه وهؤلاء ثقات إلا أشعث بن سوار ففيه مقال‏.‏ وقد أخرج له مسلم متابعة‏.‏ قال الترمذي بعد ذكر الحديث وفي الباب عن ابن عباس‏.‏ والحديث الثاني سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده رجال الصحيح إلا إبراهيم بن عطاء وهو صدوق‏.‏ والحديث الثالث أخرجه أيضًا سعيد بن منصور بإسناد صحيح إلى طاوس بلفظ ‏(‏من انتقل من مخلاف عشيرته فصدقته وعشره في مخلاف عشيرته‏)‏ ـ وفي الباب ـ عن معاذ عند الشيخين ‏(‏أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعثه إلى اليمن قاله له خذها من أغنيائهم وضعها في فقرائهم‏)‏‏.‏

وقد استدل بهذه الأحاديث على مشروعية صرف زكاة كل بلد في فقراء أهله وكراهية صرفها في غيرهم‏.‏ وقد روي عن مالك والشافعي والثوري أنه لا يجوز صرفها في غير فقراء البلد‏.‏ وقال غيرهم إنه يجوز مع كراهة لما علم بالضرورة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستدعي الصدقات من الأعراب إلي المدينة ويصرفها في فقراء المهاجرين والأنصار كما أخرج النسائي من حديث عبد الله بن هلال الثقفي قال ‏(‏جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كدت أن أقتل بعدك في عناق أو شاة من الصدقة فقال صلى الله عليه وسلم لولا أنها تعطى فقراء المهاجرين ما أخذتها‏)‏‏.‏ ولما أخرجه البيهقي وعلقه البخاري عن معاذ أنه قال لأهل اليمن ائتوني بكل خميس ولبيس آخذه منكم مكان الصدقة فإنه أرفق بكم وأنفع للمهاجرين والأنصار بالمدينة وفيه انقطاع وقال الإسماعيلي إنه مرسل فلا حجة فيه لا سيما مع معارضته لحديثه المتفق عليه الذي تقدم وقد قال فيه بعض الرواة من الجزية بدل قوله الصدقة أو يحمل على أنه بعد كفاية من في اليمن وإلا فما كان معاذ ليخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مخلاف‏)‏ إلخ فيه دليل على أن من انتقل من بلد إلى بلد كان زكاة ماله لأهل البلد الذي انتقل منه مهما أمكن إيصال ذلك إليهم‏.‏

وعن معاذ بن جبل‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن فقال‏:‏ ‏(‏خذ الحب من الحب، والشاة من الغنم، والبعير من الإبل، والبقرة من البقر‏)‏‏.‏ رواه أبو داود وابن ماجه‏.‏ والجبرانات المقدرة في حديث أبي بكر تدل على أن القيمة لا تشرع وإلا كانت تلك الجبرانات عبثًا‏.‏

الحديث صححه الحاكم على شرطهما وفي إسناده عطاء عن معاذ ولم يسمع منه لأنه وجد بعد موته أو في سنة موته بسنة‏.‏ وقال البزار لا نعلم أن عطاء سمع من معاذ‏.‏

وقد استدل بهذا الحديث من قال إنها تجب الزكاة من العين ولا يعدل عنها إلى القيمة إلا عند عدمها وعدم الجنس وبذلك قال الهادي والقاسم والشافعي والإمام يحيى‏.‏ وقال أبو حنيفة والمؤيد بالله إنها تجزيء مطلقًا وبه قال الناصر والمنصور بالله وأبو العباس وزيد بن علي، واستدلوا بقول معاذ ائتوني بكل خميس لبيس فإن الخميس واللبيس ليس إلا قيمة عن الأعيان التي تجب فيها الزكاة وهو مع كونه فعل صحابي لا حجة فيه فيه انقطاع وإرسال كما قدمنا ذلك في الشرح للحديث الذي قبل هذا فالحق أن الزكاة واجبة من العين لا يعدل عنها إلى القيمة إلا لعذر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والجبرانات‏)‏ بضم الجيم جمع جبران وهو ما يجبر به الشيء وذلك نحو قوله في حديث أبي بكر السابق ويجعل مها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهمًا فإن ذلك ونحوه يدل على أن الزكاة واجبة في العين ولو كانت القيمة هي الواجبة لكان ذكر ذلك عبثًا لأنها تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة فتقدير الجبران بمقدار معلوم يناسب تعلق الوجوب بالقيمة وقد تقدمت الإشارة إلى طرف من هذا‏.‏

وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إذا أعطيتم الزكاة فلا تنسوا ثوابها أن تقولوا اللهم اجعلها مغنمًا، ولا تجعلها مغرمًا‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه ‏.‏

وعن عبد الله بن أبي أوفى قال‏:‏ ‏(‏كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقة قال‏:‏ اللهم صل عليهم، فأتاه أبي أوفى بصدقته، فقال‏:‏ اللهم صل على آل أبي أوفى‏)‏‏.‏ متفق عليه ‏.‏

الحديث الأول إسناده في سنن ابن ماجه هكذا حدثنا سويد بن سعيد حدثنا الوليد بن مسلم عن البختري بن عبيد عن أبيه عن أبي هريرة فذكره‏.‏ والبختري بن عبيد الطابخي متروك‏.‏ وسويد بن سعيد فيه مقال‏.‏ ـ وفي الباب ـ عن وائل بن حُجر عند النسائي قال ‏(‏قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجل بعث بناقة حسنة في الزكاة‏:‏ اللهم بارك فيه وفي إبله‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلا تنسوا ثوابها أن تقولوا‏)‏ كأنه جعل هذا القول نفس الثواب لما كان له دخل في زيادة الثواب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اللهم صل عليهم‏)‏ في رواية ‏(‏على آل فلان‏)‏‏.‏ وفي أخرى ‏(‏على فلان‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على آل أبي أوفى‏)‏ يريد أبا أوفى نفسه لأن الآل يطلق على ذات الشيء كقوله في قصة أبي موسى ‏(‏لقد أوتي مزمارًا من مزامير آل داود‏)‏ وقيل لا يقال ذلك إلا في حق الرجل الجليل القدر‏.‏ واسم أبي أوفى علقمة بن خالد بن الحرث الأسلمي شهد هو وابنه عبد الله بيعة الرضوان تحت الشجرة‏.‏

واستدل بهذا الحديث على جواز الصلاة على غير الأنبياء وكرهه مالك والجهور‏.‏ قال ابن التين وهذا الحديث يعكر عليه وقد قال جماعة من العلماء يدعوا آخذ الصدقة للمتصدق بهذا الدعاء لهذا الحديث‏.‏ وأجيب عنه بأن أصل الصلاة الدعاء إلا أنه يختلف بحسب المدعو له فصلاة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته دعاء لهم بالمغفرة وصلاة أمته له بزيادة القربة والزلفى، ولذلك كانت لا تليق بغيره، وفي دليل على أنه يستحب الدعاء عند أخذ الزكاة لمعطيها‏.‏ وأوجبه بعض أهل الظاهر وحكاه الحناطي وجهًا لبعض الشافعية، وأجيب بأنه لو كان واجبًا لعلمه النبي صلى الله عليه وسلم السعاة‏.‏ ولأن سائر ما يأخذه الإمام من الكفارات والديون وغيرها لا يجب عليه فيه الدعاء فكذلك الزكاة‏.‏ وأما الآية فيحتمل أن يكون الوجوب خاصًا به بكون صلاته صلى الله عليه وسلم سكنًا لهم بخلاف غيره‏.‏

 باب من دفع صدقته إلى من ظن من أهلها فبان غنيًا

عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏قال رجل لأتصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق فأصبحوا يتحدثون تصدق على سارق، فقال اللهم لك الحمد على سارق لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية فأصبحوا يتحدثون تصدق الليلة على زانية، فقال اللهم لك الحمد على زانية فقال لأتصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد غني، فقال اللهم لك الحمد على زانية، وعلى سارق وعلى غني فأتي فقيل له أما صدقتك فقد قبلت أما الزانية فلعلها تستعف به من زناها، ولعل السارق أن يستعف به عن سرقته، ولعل الغني أن يعتبر فينفق مما آتاه الله عز وجل‏)‏‏.‏ متفق عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال رجل‏)‏ وقع عند أحمد من طريق ابن لهيعة عن الأعرج في هذا الحديث أنه كان من بني إسرائيل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لأتصدقن‏)‏ زاد في رواية متفق عليها ‏(‏الليلة‏)‏ وهذا اللفظ من باب الالتزام كالنذر مثلًا والقسم فيه مقدر، كأنه قال والله لأتصدقن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في يد سارق‏)‏ أي وهو لا يعلم أنه سارق وكذلك على زانية وكذلك على غني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تصدق‏)‏ بضم أوله على البناء للمجهول‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لك الحمد‏)‏ أي لا لي لأن صدقتي وقعت في يد من لا يستحقها فلك الحمد حيث كان ذلك بإرادتك لا بإرادتي‏.‏ قال الطيبي لما عزم أن يتصدق على مستحق فوضعها بيد سارق حمد الله على أنه لم يقد له أن يتصدق على من هو أسوأ أو أجرى الحمد التسبيح في استعماله عند مشاهدة ما يتعجب منه تعظيمًا لله تعالى فلما تعجبوا من فعله تعجب هو أيضًا فقال اللهم لك الحمد على سارق أي تصدقت عليه فهو متعلق بمحذوف‏.‏ قال الحافظ ولا يخفى بعد هذا الوجه‏.‏ وأما الذي قبله فأبعد منه والذي يظهر الأول وأنه سلم وفوض ورضي بقضاء الله سبحانه على تلك الحال لأنه المحمود على جميع الأحوال، لا يحمد على المكروه سواه‏.‏ وقد ثبت ‏(‏أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى ما لا يعجبه قال‏:‏ الحمد لله على كل حال‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأتى فقيل له‏)‏ في رواية للطبراني ‏(‏فساءه ذلك فأتى في منامه‏)‏ ‏.‏ وكذلك أخرجه أبو نعيم والإسماعيلي وفيه تعيين أحد الاحتمالات التي ذكرها ابن التين وغيره‏.‏ قال الكرماني قوله أتى أي أرى في المنام أو سمع هاتفًا ملكًا أو غيره أو أخبره نبي أو أفتاه عالم‏.‏ وقال غيره أو أتاه ملك فكلمه فقد كانت الملائكة تكلم بعضهم في بعض الأمور، وقد ظهر سلف أن الواقع هو الأول دون غيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أما صدقتك فقد قبلت‏)‏ في رواية للطبراني ‏(‏إن الله قد قبل صدقتك‏)‏‏.‏

في الحديث دلالة على أن الصدقة كانت عندهم مختصة بأهل الحاجة من أهل الخير ولهذا تعجبوا‏.‏ وفيه أن نية المتصدق إذا كانت صالحة قبلت صدقته ولو لم تقع الموقع‏.‏ واختلف الفقهاء في الإجزاء إذا كان ذلك في زكاة الفرض، ولا دلالة في الحديث على الإجزاء إذا كان ذلك في زكاة الفرض، ولا دلالة في الحديث على الإجزاء ولا المنع ولهذا ترجم البخاري على هذا الحديث بلفظ الاستفهام فقال باب إذا تصدق على غني وهو لا يعلم ولم يجزم بالحكم‏.‏ قال في الصحيح‏.‏ فإن قيل إن الخبر غنما تضمن قصة خاصة وقع الاطلاع فيها على قبول الصدقة برؤيا صادقة اتفاقية فمن أين يقع عميم الحكم‏.‏ فالجواب أن التنصيص في هذا الخبر على رجاء الاستعفاف هو الدال على تعدية الحكم فيقتضي ارتباط القبول لهذه الأسباب انتهى‏.‏

 باب براءة رب المال بالدفع إلى السلطان مع العدل والجور وأنه إلا ظلم بزيادة لم يحتسب به على شيء

عن أنس ‏(‏أن رجلًا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أديت الزكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى الله ورسوله، قال نعم إذا أديتها إلى رسولي فقد برئت منها إلى الله ورسوله فلك أجرها وإثمها على من بدلها‏)‏‏.‏ مختصر لأحمد‏.‏ وقد احتج بعمومه من يرى المعجلة إلى الإمام إذا هلكت عنده من ضمان الفقراء دون الملاك‏.‏

وعن ابن مسعود ‏(‏أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها، قالوا يا رسول الله فما تأمرنا‏؟‏ قال‏:‏ تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم‏)‏‏.‏ متفق عليه‏.‏

وعن وائل بن حجر قال‏:‏ ‏(‏سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجل يسأله، فقال أرأيت إن كان علينا أمراء يمنعونا حقنا ويسألونا حقهم، فقال‏:‏ اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم‏)‏‏.‏ رواه مسلم والترمذي وصححه‏.‏

الحديث الأول أخرجه أيضًا الحرث بن وهب وأورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه ـ وفي الباب ـ عن جابر بن عتيك مرفوعًا عند أبي داود بلفظ ‏(‏سيأتيكم ركب مبغضون فإذا أتوكم فرحبوا بهم وخلوا بينهم وبين ما يبتغون فإن عدلوا فلأنفسهم وإن ظلموا فعليها وأرضوهم فإن تمام زكاتكم رضاهم‏)‏ وعن سعد بن أبي وقاص عند الطبراني في الأوسط مرفوعًا ‏(‏ادفعوا إليهم ما صلوا الخمس‏)‏‏.‏ وعن ابن عمر وسعد بن أبي وقاص وأبي هريرة وأبي سعيد عند سعيد بن منصور وابن أبي شيبة أن رجلًا سألهم عن الدفع إلى السلطان فقالوا ادفعها إلى السلطان وفي رواية أنه قال لهم هذا السلطان يفعل ما ترون فأدفع إليه زكاتي‏؟‏ قالوا نعم، ورواه البيهقي عنهم وعن غيرهم أيضًا وروى ابن أبي شيبة من طريق قزعة، قال قلت لابن عمر إن لي مالًا فإلى من أدفع زكاته قال ادفعها إلى هؤلاء القوم يعني الأمراء قلت إذا يتخذون بها ثيابًا وطيبًا قال وإن، وفي رواية أنه قال ادفعوا صدقة أموالكم إلى من ولاه الله أمركم فمن بر فلنفسه ومن أثم فعليها‏.‏

ـ وفي الباب ـ أيضًا عند البيهقي عن أبي بكر الصديق والمغيرة بن شعبة وعائشة‏.‏ وأخرج البيهقي أيضًا عن ابن عمر بإسناد صحيح أنه قال‏:‏ ادفعوا إليهم وإن شربوا الخمور‏.‏ وأخرج أيضًا من حديث أبي هريرة إذا أتاك المصدق فأعطه صدقتك فإن اعتدى عليك، فوله ظهرك ولا تلعنه وقل اللهم إني أحتسب عندك ما أخذ مني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أثرة‏)‏ بفتح الهمزة والثاء المثلثة اسم لاستئثار الرجل على أصحابه‏.‏

ـ والأحاديث ـ المذكورة في الباب استدل بها الجمهور على جواز دفع الزكاة إلى سلاطين الجور وإجزائها‏.‏ وحكى المهدي في البحر عن العترة وأحد قولي الشافعي أنه لا يجوز دفع الزكاة إلى الظلمة ولا يجزئ، واستدلوا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا ينال عهدي الظالمين‏}‏ ويجاب بأن هذه الآية على تسليم صحة الاستدلال بها على محل النزاع عمومها مخصص بالأحاديث المذكورة في الباب‏.‏ وقد زعم بعض المتأخرين أن الأدلة المذكورة لا تدل على مطلوب المجوزين لأنها في المصدق والنزاع في الوالي وهو غفلة عن حديث ابن مسعود وحديث وائل بن حجر المذكورين في الباب‏.‏ وقد حكي في التقرير عن أحمد بن عيسى والباقر مثل قول الجمهور وكذلك عن المنصور وأبي مضر وقد استدل للمانعين أيضًا بما رواه ابن أبي شيبة عن خيثمة قال سألت ابن عمر عن الزكاة فقال‏:‏ ادفعها إليهم ثم سألته بعد ذلك فقال لا تدفعها إليهم فإنهم قد أضاعوا الصلاة وهذا مع كونه قول صحابي ولا حجة فيه ضعيف الإسناد لأنه من رواية جابر الجعفي‏.‏ ومن جملة ما احتج به صاحب البحر للقائلين بالجواز بأنها لم تزل تؤخذ كذلك ولا تعاد، وبأن عليًا لم يثن على من أعطى الخوارج، وأجاب عن الأول بأنه ليس بإجماع وعن الثاني بأن ذلك كان لعذر أو مصلحة إذ لا تصريح بالإجزاء، ولا يخفى ضعف هذا الجواب، والحق ما ذهب إليه الجمهور من الجواز والإجزاء‏.‏

وعن بشير بن الخصاصية قال‏:‏ ‏(‏قلنا يا رسول الله إن قومًا من أصحاب الصدقة يعتدون علينا، أفنكتم من أموالنا بقدر ما يعتدون علينا‏؟‏ فقال لا‏)‏‏.‏

رواه أبو داود ‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا عبد الرزاق وسكت عنه أبو داود والمنذري وفي إسناده ديسم السدوسي ذكره ابن حبان في الثقات‏.‏ وقال في التقريب مقبول ـ وفي الباب ـ عن جرير بن عبد اله وأبي هريرة عند البيهقي‏.‏

ـ والحديث ـ استدل به على أنه لا يجوز كتم شيء عن المصدقين عن وإن ظلموا وتعدوا وقد عورض ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم من سئل فوق ذلك فلا يعطه كما تقدم في حديث أنس الطويل الذي رواه عن كتاب أبي بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ وتقدم الجمع بين هذا الحديث وبين ذلك هنالك‏.‏ قال ابن رسلان لعل المراد بالمنع من الكتم أن ما أخذه الساعي ظلمًا يكون في ذمته لرب المال فإن قدر المالك على استرجاعه منه استرجعه وإلا استقر في ما أخذه الساعي ظلمًا يكون في ذمته لرب المال فإن قدر المالك على استرجاعه منه استرجعه وإلا استقر في ذمته‏.‏

 باب براءة رب المال بالدفع إلى السلطان مع العدل والجور وأنه إلا ظلم بزيادة لم يحتسب به على شيء

عن أنس ‏(‏أن رجلًا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أديت الزكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى الله ورسوله، قال نعم إذا أديتها إلى رسولي فقد برئت منها إلى الله ورسوله فلك أجرها وإثمها على من بدلها‏)‏‏.‏

مختصر لأحمد‏.‏ وقد احتج بعمومه من يرى المعجلة إلى الإمام إذا هلكت عنده من ضمان الفقراء دون الملاك‏.‏

وعن ابن مسعود ‏(‏أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها، قالوا يا رسول الله فما تأمرنا‏؟‏ قال‏:‏ تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

وعن وائل بن حجر قال‏:‏ ‏(‏سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجل يسأله، فقال أرأيت إن كان علينا أمراء يمنعونا حقنا ويسألونا حقهم، فقال‏:‏ اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم‏)‏‏.‏

رواه مسلم والترمذي وصححه‏.‏

الحديث الأول أخرجه أيضًا الحرث بن وهب وأورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه ـ وفي الباب ـ عن جابر بن عتيك مرفوعًا عند أبي داود بلفظ ‏(‏سيأتيكم ركب مبغضون فإذا أتوكم فرحبوا بهم وخلوا بينهم وبين ما يبتغون فإن عدلوا فلأنفسهم وإن ظلموا فعليها وأرضوهم فإن تمام زكاتكم رضاهم‏)‏ وعن سعد بن أبي وقاص عند الطبراني في الأوسط مرفوعًا ‏(‏ادفعوا إليهم ما صلوا الخمس‏)‏‏.‏ وعن ابن عمر وسعد بن أبي وقاص وأبي هريرة وأبي سعيد عند سعيد بن منصور وابن أبي شيبة أن رجلًا سألهم عن الدفع إلى السلطان فقالوا ادفعها إلى السلطان وفي رواية أنه قال لهم هذا السلطان يفعل ما ترون فأدفع إليه زكاتي‏؟‏ قالوا نعم، ورواه البيهقي عنهم وعن غيرهم أيضًا وروى ابن أبي شيبة من طريق قزعة، قال قلت لابن عمر إن لي مالًا فإلى من أدفع زكاته قال ادفعها إلى هؤلاء القوم يعغني الأمراء قلت إذا يتخذون بها ثيابًا وطيبًا قال وإن، وفي رواية أنه قال ادفعوا صدقة أموالكم إلى من ولاه الله أمركم فمن بر فلنفسه ومن أثم فعليها‏.‏

ـ وفي الباب ـ أيضًا عند البيهقي عن أبي بكر الصديق والمغيرة بن شعبة وعائشة‏.‏ وأخرج البيهقي أيضًا عن ابن عمر إسناد صحيح أنه قال‏:‏ ادفعوا إليهم وإن شربوا الخمور‏.‏ وأخرج أيضًا من حديث أبي هريرة إذا أتاك المصدق فأعطه صدقتك فإن اعتدى عليك، فوله ظهرك ولا تلعنه وقل اللهم إني أحتسب عندك ما أخذ مني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أثره‏)‏ بفتح الهمزة والثاء المثلثة اسم لاستئثار الرجل على أصحابه‏.‏

ـ والأحاديث ـ المذكورة في الباب استدل بها الجمهور على جواز دفع الزكاة إلى سلاطين الجوز وإجزائها‏.‏ وحكى المهدي في البحر عن العترة وأحد قولي الشافعي أنه لا يجوز دفع الزكاة إلى الظلمة ولا يجزيء، واستدلوا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا ينال عهدي الظالمين‏}‏ ويجاب بأن هذه الآية على تسليم صحة الاستدلال بها على محل النزاع عمومها مخصص بالأحاديث المذكورة في الباب‏.‏ وقد زعم بعض المتأخرين أن الأدلة المذكورة لا تدل على مطلوب المجوزين لأنها في المصدق والنزاع في الوالي وهو غفلة عن حديث ابن مسعود وحديث وائل بن حجر المذكورين في الباب‏.‏ وقد استدل للمانعين أيضًا بما رواه ابن أبي شيبة عن خيثمة قال سألت ابن عمر عن الزكاة فقال‏:‏ ادفعها إليهم ثم سألته بعد ذلك فقال لا تدفعها إليهم فإنهم قد أضاعوا الصلاة وهذا مع كونه قول صحابي ولا حجة فيه ضعيف الإسناد لأنه من رواية جابر الجعفي‏.‏ ومن جملة ما احتج به صاحب البحر للقائلين بالجواز بأنها لم تزل تؤخذ كذلك ولا تعاد، وبأن عليًا لم يثن على من أعطى الخوارج، وأجاب عن الأول بأنه ليس بإجماع وعن الثاني بأن ذلك كان لعذر أو مصلحة إذ لا تصريح بالإجزاء، ولا يخفى ضعف هذا الجواب، والحق ما ذهب إليه الجمهور من الجواز والإجزاء‏.‏

وعن بشير بن الخصاصية قال‏:‏ ‏(‏قلنا يا رسول الله إن قومًا من أصحاب الصدقة يعتدون علينا، أفنكتم من أموالنا بقدر ما يعتدون علينا‏؟‏ فقال لا‏)‏‏.‏

رواه أبو داود ‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا عبد الرزاق وسكت عنه أبو داود والمنذري وفي إسناده ديسم السدوسي ذكره ابن حبان في الثقات‏.‏ وقال في التقريب مقبول ـ وفي الباب ـ عن جرير بن عبد اله وأبي هريرة عند البيهقي‏.‏

ـ والحديث ـ استدل به على أنه لا يجوز كتم شيء عن المصدقين عن وإن ظلموا وتعدوا وقد عورض ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم من سئل فوق ذلك فلا يعطه كما تقدم في حديث أنس الطويل الذي رواه عن كتاب أبي بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ وتقدم الجمع بين هذا الحديث وبين ذلك هنالك‏.‏ قال ابن رسلان لعل المراد بالمنع من الكتم أن ما أخذه الساعي ظلمًا يكون في ذمته لرب المال فإن قدر المالك على استرجاعه منه اسرجعه وإلا استقر في ما أخذه الساعي ظلمًا يكون في ذمته لرب المال فإن قدر المالك على استرجاعه منه استرجعه وإلا استقر في ذمته‏.‏

 باب أمر السعي أن يعد الماشية حيث ترد الماء ولا يكلفهم حشدها إليه

عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏تؤخذ صدقات المسلمين على مياههم‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏ وفي رواية لأحمد وأبي داود‏:‏ ‏(‏لا جلب ولا جنب، ولا تؤخذ صدقاتهم إلا في ديارهم‏)‏‏.‏

الحديث سكت عنه أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص وفي إسناده محمد بن إسحاق وقد عنعن ـ وفي الباب ـ عن عمران بن حصين عند أحمد وأبي داود والنسائي والترمذي وابن حبان وصححه بمثل حديث الباب‏.‏ وعن أنس عند أحمد والبزار وابن حبان عبد الرزاق‏.‏ وأخرجه النسائي عنه من وجه آخر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا جلب‏)‏ بفتح الجيم واللام ‏(‏ولا جنب‏)‏ بفتح الجيم والنون قال ابن إسحاق معنى لا جلب أن تصدق الماشية في موضعها ولا تجلب إلى المصدق ومعنى لا أن يكون المصدق بأقصى مواضع أصحاب الصدقة فتجنب إليه فنهوا عن ذلك‏.‏ وفسر مالك الجلب بأن تجلب الفرس في السباق فيحرك وراءه الشيء يستحث به فيسبق، والجنب أن يجننب مع الفرس الذي سابق به فرسًا آخر حتى إذا دنا تحول الراكب عن الفرس المجنوب فسبق‏.‏ قال ابن الأثير له تفسيران فذكرهما وتبعه المنذري في حاشيته‏.‏

ـ والحديث ـيدل على أن المصدق هو الذي يأتي للصدقات ويأخذها على مياه أهلها لأن ذلك أسهل لهم‏.‏

 باب سمة الإمام المواشي إذا تنوعت عنده

عن أنس قال‏:‏ ‏(‏غدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبد الله بن أبي طلحة ليحنكه فوافيته في يده الميسم يسم إبل الصدقة‏)‏‏.‏

أخرجاه‏.‏ ولأحمد وابن ماجه‏:‏ ‏(‏دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسم غنما في آذانها ‏)‏‏.‏

وعن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال لعمر‏:‏ ‏(‏إن في الظهر ناقة عمياء فقال أمن نعم الصدقة، أو من نعم الجزية‏؟‏ قال أسلم من نعم الجزية، وقال إن عليها ميسم الجزية‏)‏‏.‏ رواه الشافعي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الميسم‏)‏ بكسر الميم وسكون الياء التحتية وفتح السين المهملة وأصله موسم لأن فاءه واو لكنها لما سكنت وكسر ما قبلها قلبت ياء، وهي الحديدة التي يوسم بها، أي يعلم بها، وهو نظير الخاتم‏.‏

ـ وفيه دليل ـعلى جواز وسم إبل الصدقة ويلحق بها غيرها من الأنعام‏.‏ والحكمة في ذلك تمييزها وليردها من أخذها ومن التقطها وليعرفها صاحبها فلا يشتريها إذا تصدق بها مثلًا لئلا يعود في صدقته قال في الفتح ولم أقف على تصريح بما كان مكتوبًا على ميسم النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن ابن الصباغ من الشافعية نقل إجماع الصحابة على أنه يكتب في ميسم الزكاة زكاة أو صدقة‏.‏ وقد كره بعض الحنفية الوسم بالميسم لدخوله في عموم النهي عن المثلة‏.‏ وحديث الباب يخصص هذا العموم فهو حجة عليه‏.‏

ـ وفي الحديث ـاعتناء الإمام بأموال الصدقة وتوليها بنفسه وجواز تأخير القسمة لأنها لو عجلت لستغني عن الوسم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن عليها ميسم الجزية ‏)‏ إلخ فيه دليل على أن وسم إبل الجزية كان يفعل في أيام الصحابة كما كان يوسم إبل الصدقة‏.‏

 أبواب الأصناف الثمانية‏‏

 باب ما جاء في الفقير والمسكين والمسألة والغني

عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان، ولا اللقمة واللقمتان‏.‏ إنما المسكين الذي يتعفف، اقرؤوا إن شئتم‏:‏ ‏{‏لا يسألون الناس إلحافًا‏}‏‏)‏‏.‏ وفي لفظ‏:‏ ‏(‏ليس المسكين الذي يطوف على الناس، ترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن به فيتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس‏)‏‏.‏ متفق عليهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا اللقمة والقمتان‏)‏ في رواية للبخاري ‏(‏الأكلة والأكلتان‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يغنيه‏)‏ هذه صفة زائدة على الغنى المنهي إذا لا يلزم من حصول اليسار للمرء أن يغني به بحيث لا يحتاج إلى شيء آخر‏.‏ وكأن المعنى نفي اليسار المقيد بأنه يغنيه مع وجود أصل اليسار‏.‏

ـ وفي الحديث ـدليل على أن المسكين هو الجامع بين عدم الغنى وعدم تفطن الناس له لما يظن به لأجل تعففه وتظهره بصورة الغنى من عدم الحاجة ومع هذا هو المستعفف عن السؤال‏.‏

ـ وقد استدل ـبه من يقول أن الفقير أسوأ حالًا من المسكين وأن المسكين الذي له شيء لكنه لا يكفيه والفقير الذي لا شيء له ويؤيده قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر‏}‏ فسماهم مساكين مع أن لهم سفينة يعملون فيها وإلى هذا ذهب الشافعي والجمهور كما قال في الفتح وذهب أبو حنفية والعترة إلى أن المسكين دون الفقير، واستدلوا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أو مسكينًا ذا متربة‏}‏ قالوا لأن المراد أن يلصق التراب بالعرى‏.‏ وقال ابن القاسم وأصحاب مالك إنهما سواء وروي عن أبي يوسف ورجحه الجلال قال لأن المسكنة لازمة للفقر إذ ليس معناها الذل والهوان، فإنه ربما كان بغنى النفس أعز من الملوك الأكابر، بل معناها العجز عن إدراك المطالب الدنيوية، والعاجز ساكن عن الانتهاض إلى مطالبه اهـ‏.‏ وقيل الفقير الذي يسأل والمسكين الذي لا يسأل، حكاه ابن بطال وظاهره أيضًا أن المسكين من اتصف بالتعفف وعدم الإلحاف في السؤال، لكن قال ابن بطال بمعناه المسكين الكامل وليس المراد نفي أصل المسكنة، بل هو كقوله‏:‏ ‏(‏أتدرون من المفلس‏)‏ الحديث‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ليس البر‏}‏ الآية وكذا قرره القرطبي وغير واحد ـ ومن جملة ـ حجج القول الأول قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏اللهم أحيني مسكينًا‏)‏ مع تعوذه من الفقر‏.‏ والذي ينبغي أن يعول عليه أن يقال المسكين من اجتمعت له الأوصاف المذكورة في الحديث والفقير من كان ضد الغنى كما في الصحاح والقاموس وغيرهما من كتب اللغة، وسيأتي تحقيق الغنى فيقال لمن عدم الغنى فقير ولمن عدمه مع التعفف عن السؤال وعدم تفطن الناس له مسكين‏.‏ وقيل أن الفقير من يجد القوت والمسكين من لا شيء له‏.‏ وقيل الفقير المحتاج والمسكين من أذله الفقر وحكى هذين صاحب القاموس‏.‏

وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏المسألة لا تحل إلا لثلاثة لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏ وفيه تنبيه على أن الغارم لا يأخذ مع الغنى‏.‏

وعن عبد الله بن عمرو قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي‏)‏‏.‏ رواه الخمسة إلا ابن ماجه والنسائي، لكنه لهما من حديث أبي هريرة ولأحمد الحديثان‏.‏

وعن عبيد الله بن عدي بن الخيار‏:‏ ‏(‏أن رجلين أخبراه أنهما أتيا النبي صلى الله عليه وسلم يسألانه من الصدقة فقلب فيهما البصر ورآهما جلدين فقال‏:‏ إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب‏)‏‏.‏ رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وقال أحمد هذا أجودها إسنادًا‏.‏

حديث أنس أخرجه أيضًا ابن ماجه والترمذي وحسنه وقال لا نعرفه إلا من حديث الأخضر بن عجلان اهـ‏.‏ والأخضر بن عجلان قال يحيى بن معين صالح وقال أبو حاتم الرازي يكتب حديثه‏.‏ وحديث عبد الله بن عمرو حسنه الترمذي وذكر أن شعبة لم يرفعه وفي إسناده ريحان بن يزيد وثقه يحيى بن معين وقال أبو حاتم الرازي شيخ مجهول وقال بعضهم لم يصح إسناد هذا الحديث وإنما هو موقوف على عبد الله بن عمرو‏.‏ وقال أبو داود الأحاديث الأخر عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ بعضها ‏(‏لذى مرة سوي‏)‏، وبعضها ‏(‏لذي مرة قوي‏)‏، وحديث عبيد الله بن عدي بن الخيار أخرجه أيضًا الدارقطني وروي عن أحمد أنه قال ما أجوده من حديث وحديث أبي هريرة الذي أشار إليه المصنف أخرجه أيضًا ابن حبان والحاكم‏.‏

ـ وفي الباب ـ عن طلحة عند الدارقطني وعن ابن عمر عند ابن عدي وعن حبشي بن جنادة عند الترمذي‏.‏ وعن جابر عند الدارقطني‏.‏ وعن أبي زميل عن رجل من بني هلال عند أحمد‏.‏ وعن عبد الرحمن بن أبي بكر عند الطبراني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مدقع‏)‏ بضم الميم وسكون الدال المهملة وكسر القاف وهو الفقر الشديد المصلق صاحب بالدقعاء وهي الأرض التي لا نبات بها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أو لذي غرم مفظع‏)‏ الغرم بضم الغين المعجمة وسكون الراء هو ما يلزم أداؤه تكلفًا لا في مقابلة عوض والمفظع بضم الميم وسكون الفاء وكسر الظاء المعجمة وبالعين المهملة وهو الشديد الشنيع الذي جاوز الحد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أو لذي دم موجع‏)‏ هو الذي يتحمل دية عن قريبه أو حميمه أو نسيبه القاتل يدفعها إلى أولياء المقتول، وإن لم يدفعها إلى أولياء المقتول، وإن لم يدفعها قتل قريبه أو حميمه الذي يتوجع لقتله وإراقة دمه‏.‏

ـ والحديث ـيدل على جواز المسألة لهؤلاء الثلاثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا تحل الصدقة لغني‏)‏ قد اختلفت المذاهب في المقدار الذي يصير به الرجل غنيًا فدهبت الهادوية والحنفية إلى أن الغني من ملك النصاب فيحرم عليه أخذ الزكاة واحتجوا بما تقدم في حديث معاذ من قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم‏)‏ قالوا فوصف من تؤخذ منه الزكاة بالغنى وقد قال‏:‏ ‏(‏لا تحل الصدقة لغني‏)‏ وقال بعضهم هو من وجد ما يغديه ويعيشه حكاه الخطابي، واستدل بما أخرجه أبو داود وابن حبان وصححه عن سهل بن الحنظلية قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من النار قالوا يا رسول الله وما يغنيه قال قدر ما يغديه ويعشيه‏)‏ وسيأتي وقال الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق وجماعة من أهل العلم هو من كان عنده خمسون درهمًا أو قيمتها‏.‏ واستدلوا بحديث ابن مسعود عند الترمذي وغيره مرفوعًا من يسأل الناس وله مال يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش قيل يا رسول الله وما يغنيه قال خمسون درهمًا أو حسابها من الذهب وسيأتي، وقال الشافعي وجماعة إذا كان عنده خمسون درهمًا أو أكثر وهو محتاج فله أن يأخذ من الزكاة‏.‏ وروي عن الشافعي أن الرجل قد يكون غنيًا بالدرهم مع الكسب ولا يغنيه الألف مع ضعفه في نفسه وكثرة عياله‏.‏ وقال أبو عبيد بن سلام هو من وجد أربعين درهمًا واستدل بحديث أبي سعيد الآتي بلفظ‏:‏ ‏(‏وله قيمة أوقية‏)‏ لأن الأربعين الدرهم قيمة الأوقية وقيل هو من لا يكفيه غلة أرضه للسنة حكاه في البحر عن أبي طالب والمرتضى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا لذي مرة سوي‏)‏ المرة بكسر الميم وتشديد الراء قال الجوهري المرة القوة وشدة العقل ورجل مرير أي قوي ذو مرة‏.‏ وقال غيره المرة القوة على الكسب والعمل وإطلاق المرة هنا وهي القوة مقيد بالحديث الذي بعده أعني قوله ولا لقوي مكتسب، فيؤخذ من الحديثين أن مجرد القوة لا يقتضي عدم الاستحقاق إلا إذا قرن بها الكسب‏.‏ وقوله سوى أي مستوى الخلق قاله الجوهري والمراد استواء الأعضاء وسلامتها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏جلدين‏)‏ بإسكان اللام أي قويين شديدين‏.‏ قال الجوهري الجلد بفتح اللام هو الصلابة والجلادة تقول منه جلد الرجل بالضم فهو جلد يعني بإسكان اللام وجليد بين الجلد والجلادة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مكتسب‏)‏ أي يكتسب قدر كفايته‏.‏

ـ وفيه دليل ـعلى أنه يستحب للإمام أو المالك الوعظ والتحذير وتعريف الناس بأن الصدقة لا تحل لغني ولا لذي قوة على الكسب كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكون ذلك برفق‏.‏

وعن الحسين بن علي قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏للسائل حق، وإن جاء على فرس‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود، وهو حجة في قبول قول السائل من غير تحليف وإحسان الظن به‏.‏

وعن أبي سعيد قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود والنسائي‏.‏

وعن سهل بن الحنظلية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من جمر جهنم‏.‏ قالوا يا رسول الله وما يغنيه‏؟‏ قال‏:‏ ما يغديه أو يعشيه‏)‏‏.‏ رواه أحمد واحتج به وأبو داود وقال‏:‏ ‏(‏يغذيه ويعشيه‏)‏‏.‏

وعن حكيم بن جبير عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد عن أبيه عن عبد الله بن مسعود قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من سأل وله ما يغنيه جاءت يوم القيامة خدوشًا أو كدوشًا في وجهه، قالوا يا رسول الله وما غناه‏؟‏ قال خمسون درهمًا أو حسابها من الذهب‏)‏‏.‏ رواه الخمسة وزاد أبو داود وابن ماجه والترمذي، فقال رجل لسفيان إن شعبة لا يحدث عن حكيم بن جبير فقال سفيان حدثناه زبيد عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد‏.‏

أما حديث الحسن بن علي فالذي وقفنا عليه في النسخ الصحيحة من هذا الكتاب أن الراوي للحديث الحسن بن علي‏.‏ وفي سنن أبي داود وغيرها أن الراوي للحديث الحسين بن علي‏.‏ وهذا الحديث في إسناده يعلى بن يحيى سئل عنه أبو حاتم الرازي فقال مجهول‏.‏ وقال أبو سعيد بن عثمان بن السكن قد روي من وجوه صحاح حضور الحسين بن علي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعبه بين يديه وتقبيله إياه فأما الرواية التي يرويها عن النبي صلى الله عليه وسلم فكلها مراسيل‏.‏ وقال أبو القاسم البغوي في معجمه نحوًا من ذلك‏.‏ وقال أبو عبد الله محمد بن يحيى بن الحذاء سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ورآه ولم يكن بينه وبين أخيه الحسن بين علي إلا طهر واحد‏.‏ وحديث أبي سعيد سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده ثقات وعبد الرحمن بن محمد أبي الرجال المذكور في إسناده قد وثقه أحمد والدارقطني وابن معين وذكره ابن حبان في الثقات وقال ربما أخطأ‏.‏ وحديث سهل أخرجه ابن حبان وصححه‏.‏ وحديث ابن مسعود حسنه الترمذي وقال وقد تكلم شعبة في حكيم بن جبير من أجل هذا الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإن جاء على فرس‏)‏ فيه الأمر بحسن الظن بالمسلم الذي امتهن نفسه بذل السؤال فلا يقابله بسوء الظن به واحتقاره بل يكرمه بإظهار السرور له ويقدر أن الفرس التي تحته عارية أو أنه ممن يجوز له أخذ الزكاة مع الغنى كمن تحمل حمالة أو غرم غرمًا لإصلاح ذات البين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وله قيمة أوقية‏)‏ قال أبو داود زاد هشام في روايته ‏(‏وكانت الأوقية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين درهمًا‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقد ألحف‏)‏ قال الواحدي الإلحاف في اللغة هو الإلحاح في المسألة‏.‏ قال أبو الأسود الدؤلي ليس للسائل الملحف مثل الرد‏.‏ قال الزجاج معنى ألحف شمل بالمسألة والإلحاف في المسألة هو أن يشتمل على وجوه الطلب بالمسألة، كاشتمال اللحاف في التغطية‏.‏ وقال غيره معنى الإلحاف في المسألة مأخوذ من قولهم ألحف الرجل إذا مشي في لحف الجبل وهو أصلح كأنه استعمل الخشونة في الطلب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإنما يستكثر‏)‏ أي بطلب الكثرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما يغديه‏)‏ بفتح الغين المعجمة وتشديد الدال المهملة أي من الطعام بحيث يشبعه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويعشيه‏)‏ بفتح العين أيضًا‏.‏ فعلى رواية التخيير يكون المعنى أن الإنسان إذا حصل له أكلة في النهار غداء وعشاء كفته واستغنى بها‏.‏ وعلى رواية الجمع يكون المعنى أنه إذا حصل له في يومه أكلتان كفتاه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خدوشًا‏)‏ بضم الخاء المعجمة جمع خدش وهو خمش الوجه أو حديدة أو نحوهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أو حسابها من الذهب‏)‏ هذه رواية أحمد ورواية أبي داود ‏(‏أو قيمتها من الذهب‏)‏‏.‏

ـ وهذه الأحاديث ـ الثلاثة قد استدل بكل واحد منها طائفة من المختلفين في حد الغنى وقد تقدم بيان ذلك ويجمع بينها بأن القدر الذي يحرم السؤال عنده هو أكثرها وهي الخمسون عملًا بالزيادة‏.‏

وعن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن المسألة كد يكد بها الرجل وجهه إلا أن يسأل الرجل سلطانًا أو في أمر لا بد منه‏)‏‏.‏

رواه أبو داود والنسائي والترمذي وصححه‏.‏

وعن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏لأن يغدو أحدكم فيحتطب على ظهره فيتصدق منه، ويستغني به عن الناس، خير له من أن يسأل رجلًا أعطاه أو منعه‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏ وعنه أيضًا عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من سأل الناس أموالهم تكثرًا فإنما يسأل جمرًا فليستقل أو ليستكثر‏)‏‏.‏ رواه أحمد ومسلم وابن ماجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كد‏)‏ هذا لفظ الترمذي وابن حبان في صحيحه ولفظ أبي داود ‏(‏كدوح‏)‏ وهي آثار الخموش‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا أن يسأل الرجل سلطانًا‏)‏ فيه دليل على جواز سؤال السلطان من الزكاة أو الخمس أو بيت المال أو نحو ذلك فيخض به عموم أدلة تحريم السؤال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أو في أمر لا بد منه‏)‏ فيه دليل على جواز المسألة عند الضرورة والحاجة التي لا بد عندها من السؤال نسأل الله السلامة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعن أبي هريرة‏)‏ إلخ فيه الحث على التعفف عن المسألة والتنزه عنها ولو امتهن المرء نفسه في طلب الرزق وارتكب المشقة في ذلك ولوا قبح المسألة في نظر الشرع لم يفضل ذلك عليها وذلك لما يدخل على السائل من ذل السؤال ومن ذل الرد إذا لم يعط ولما يدخل على المسؤول من الضيق في ماله إن أعطى كل سائل‏.‏ وأما قوله خير له فليست بمعنى أفعل التفضيل إذ لا خير في السؤال مع القدرة على الاكتساب والأصح عند الشافعية أن سؤال من هذا حاله حرام‏.‏ ويحتمل أن يكون المراد بالخير فيه بحسب اعتقاد السائل وتسمية الذي يعطاه خيرًا وهو في الحقيقة شر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تكثرًا‏)‏ فيه دليل على أن سؤال التكثر محرم وهو السؤال لقصد الجمع من غير حاجة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإنما يسأل جمرًا‏)‏ إلخ قال القاضي عياض معناه أنه يعاقب بالنار قال ويحتمل أن يكون على ظاهره وإن الذي يأخذه يصير جمرًا يكوى به كما ثبت في مانع الزكاة‏.‏

وعن ابن عمر قال ‏(‏سمعت عمر يقول‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء فأقول أعطه من هو أفقر إليه مني، فقال خذه إذا جاءك من هذا المال شيء وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه وما لا فلا تتبعه نفسك‏)‏‏.‏ متفق عليه‏.‏

حديث خالد بن عدي أخرجه أيضًا أبو يعلى والطبراني في الكبير قال في مجمع الزوائد ورجال أحمد رجال الصحاح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا إشراف نفس‏)‏ الإشراف بالمعجمة التعرض للشيء والحرص عليه من قولهم أشرف على كذا إذا تطاول له وقيل للمكان المرتفع مشرف لذلك‏.‏ قال أبو داود سألت أحمد عن إشراف النفس فقال بالقلب وقال يعقوب بن محمد سألت أحمد عنه فقال هو أن يقول مع نفسه يبعث إلي فلان بكذا‏.‏ وقال الأثرم بضيق عليه أن يرده إذا كان كذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يعطيني ‏)‏ سيأتي ما يدل على أن عطية النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بسبب العمالة كما في حديث ابن السعدي ولهذا قال الطحاوي ليس معنى هذا الحديث في الصدقات وإنما هو في الأموال وليست هي من جهة الفقر‏.‏ ولكن شيء من الحقوق فلما قال عمر أعطه من هو أفقر إليه مني لم يرض بذلك لأنه إنما أعطاه لمعنى غير الفقر، قال ويؤيده قوله في رواية شعيب خذه فتموله فدل على أنه ليس من الصدقات‏.‏

ـ واختلف العلماء ـ فيمن جاءه مال هل يجب قبوله أم يندب‏؟‏ على ثلاثة مذاهب حكاها أبو جعفر محمد بن جرير الطبري بعد إجماعهم على أنه مندوب‏.‏ قال النووي الصحيح المشهور الذي عليه الجمهور أنه مستحب في غير عطية السلطان، وأما عطية السلطان، يعني الجائر فحرمها قوم وأباحها آخرون وكرهها قوم، والصحيح أنه إن غلب الحرام فيما في يد السلطان حرمت وكذا إن أعطى من لا يستحق وإن لم يغلب الحرام فمباح إن لم يكن في القابض مانع يمنعه من استحقاق الأخذ‏.‏ وقالت طائفة الأخذ واجب من السلطان وغيره وقال آخرون هو مندوب في عطية السلطان دون غيره‏.‏ وحديث خالد بن عدي يرده‏.‏ قال الحافظ ويؤيده حديث سمرة في السنن إلا أن يسأل ذا سلطان‏.‏ قال والتحقيق في المسألة أن من علم كون ماله حلالًا فلا ترد عطيته، ومن علم كون ماله حرامًا فتحرم عطيته، ومن شك فيه فالاحتياط رده وهو الورع، ومن أباحه أخذ بالأصل انتهى‏.‏ قال ابن المنذر واحتج من رخص بأن الله تعالى قال في اليهود‏:‏ ‏(‏سماعون للكذب أكالون للسحت‏)‏ وقد رهن الشارع صلى الله عليه وسلم درعه عند يهودي مع علمه بذلك، وكذا أخذ الجزية منهم مع العلم بأن أكثر أموالهم من ثمن الخمر والخنزير والمعاملات الفاسدة قال الحافظ وفي حديث الباب أن للإمام أن يعطي بعض رعيته إذا رأى لذلك وجهًا وإن كان غيره أحوج إليه منه، وأن رد عطية الإمام ليس من الأدب، ولا سيما من الرسول صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وما آتاكم الرسول فخذوه‏}‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من هو أفقر إليه مني‏)‏ ظاهره أن عمر لم يكن غنيًا لأن صيغة أفعل تدل على الاشتراك في الأصل وهو الافتقار إلى المال، ولكن ظاهر أمره صلى الله عليه وسلم له بالأخذ إذا لم يكن مستشرفًا ولا سائلًا أنه لا فرق بين كونه غنيًا أو فقيرًا وهكذا في قبول المال من غير السلطان لا فرق بين الغني والفقير على ظاهر حديث هالد بن عدي وسيكرر المصنف حديث خالد بن عدي هذا في كتاب الهبة ونذكر بقية الكلام عليه هنالك إن شاء الله تعالى‏.‏